كان للشيخ في حياته سلسلتان تصله أحداهما بالشيخ أبي الحسن الشاذلي، وتربطه الثانية بالشيخ عبد القادر الجيلاني ، وقد وضع الشيخ خلال حياته طريقة عرفت باسمه ” الزروقية ” يلحقها مؤرخو الطرق بالطريقة الشاذلية على أنها فرع منها ، وهي طريقة صوفية سنية اشتهرت في المغرب، وتفرع عنها ثلاثة عشر فرعاً تعتبر امتداداً لها، وانتشرت في الأقطار المغربية ومصر والحجاز ولبنان وفلسطين وجزيرة رودس وتشاد والنيجر، وسنفرد الحديث عنها في تصنيف أخر.
يفرغ المداد في الكتابة عن سيرة الشيخ زروق رحمه الله ولا يؤدّى حقه ، ونكتفي بما انقضى من الحديث عنه، ونختتم سيرته بذكر أسماء بعض تلاميذه: سيدي الشيخ عبد السلام الأسمر وليّ زليتن، والشيخ شمس الدين اللقاني المصري، والشيخ محمد علي الخروبي الولي الطرابلسي الشهير، وأبو حفصى عمر ألوزاني عالم الجزائر الشهير ، والشيخ أحمد بن يوسف الراشدي المصلح المشهور، وأبو راوي الفحل وليّ سوسة، وإبراهيم الخياط اليمني وكثير غيرهم ، ولم يقتصر تأثير الشيخ على تلاميذه، بل تعداه إلى تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم وهلم جرا، وفيما يلي باقة من أقوال الصالحين في الشيخ رحمه الله:
” انا دعوة زروق “ أبو حفصى الوازني
” إنه رأس السبعة الإبدال “ محمد الزيتوني
” الجامع بين الشريعة والحقيقة “ قالها الكثير من العلماء
” الولي الصالح المتبرك به حياً وميتا القطب “ نور الدين الحسن اليوسي
” من ليس في قلبه محبة زروق، فليس بمؤمن” أبو راوي الفحل
” كان زاهداً ، فاضلاً ، منقطعاً إلى الله سبحانه وتعالى ، عارفاً به دالاً عليه، له همة عالية ، تخرج عليه جماعة، وانتفع به الناس شرقاً وغرباً، وله بركات ظاهرة ، وكرامات باهرة في الحياة وبعد الممات “ محمد بن خليل بن غلبون صاحب التذكار
“حجة الله في أرضه، ارتفع صيته عند الخاصة والكافة ، فهو كعبة الزوار، وحرم الأنوار ، ومعدن الأسرار ، الحي في قبره ، يتشعر ذلك كل من له ذوق سليم ، وطبع مستقيم” الحسين بن محمد السعيد الشريف الورثيلاني الجزائري.
” هو قمة من قمم التصوف ” الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر
” لله دره ما اعلمه بالطريق وما اتبعه للسنة” عبد الرحمن الفكون
ونختتم سيرة الإمام أحمد زروق رحمه الله بأبيات من قصيدة لبعض أهل المحبة في الشيخ:
ازروق أهل الله في كل برهــــة ومأوى العفاة في اليسار وفي العسر
فلا زلت للاحسان أهلا وموطناً ومأوى الخصال الساميات لدى الدهر
عليكم من الرحمن أزكــى تحية وأسمى مهابات إلى الحشر والنشــر
وصلى الذي ولاك مجداً وسؤدداً على المنتقى المبعوث للسود والحمر
واله والأزواج طـــــــراً وصحبه ذوي النجدة الفيحاء والســــــادة الغرّ
تذيـيــل
الشيخ الزروق وتسلسل حديث المصافحة
ذكر الشيخ محمد سليمان الروداني وهو عالم جليل ولد ونشأ وتعلم في المغرب وجاور بالحرمين وتوفي بدمشق سنة 1094في سنده لروايته لحكم بن عطاء الله كما ذكره في حديث المصافحة حيث قال : ” وأبو عثمان المغربي صافح أيضا محمد الخروبي الطرابلسي ، وهو صافح سيدي احمد زروق، وهو صافح الشمس السخاوي…” إلى أن وصل إلى ” خلف بن تميم قال :” دخلنا على أبي هرمز نعوده، فقال : دخلنا على انس بن مالك نعوده فقال : صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو هرمز فقلنا لأنس : صافحنا بالكف التي صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحنا فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه، وقال: السلام عليكم. قال خلف فقلنا لأبي هرمز : فصافحنا بالكف التي صافحت بها أنساً فصافحنا ، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه، وقال: السلام عليكم ، وهكذا مسلسلاً بهذا إلى الشيخ زروق”.
ومن الفوائد التي يعطيها حديث المصافحة هذا هي :
1. شدة الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتعلق به ابتداء من الصحابة والتابعين ومن اقتدى بهم من بعدهم تقديراً وحباً وتبركاً.
2. إن بين يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفة و يد الشيخ زروق خمس عشرة يداً، وهي منقبة تزاد في مناقبه.
3. مشروعية التبرك بآثار الصالحين.
رسالة أصول الطريق
لسيدي احمد زروق
قال رضي الله عنه: أصول طريقتنا خمسة أشياء :-
1. تقوى الله في السر والعلانية.
2. إتباع السنة في الأقوال والأفعال.
3. الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار.
4. الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير.
5. الرجوع إلى الله تعالى في السراء والضراء.
فتحقيق التقوى بالورع والاستقامة، وتحقيق السنة بالتحفظ وحسن الخلق، وتحقيق الإعراض عن الخلق بالصبر والتوكل، وتحقيق الرضا عن الله بالقناعة والتفويض، وتحقيق الرجوع إلى الله بالحمد والشكر في السراء واللجأ إليه في الضراء.
وأصول ذلك كله خمسة:-
1. علو الهمة.
2. حفظ الحرمة.
3. حسن الخدمة.
4. نفوذ العزمة.
5. تعظيم النعمة.
فمن علت همته ارتفعت رتبته، ومن حفظ حرمة الله حفظ الله حرمته، ومن حسنت خدمته وجبت كرامته، ومن أنفذ عزمته دامت هدايته، ومن عظمت النعمة في عينه شكرها، ومن شكرها استوجب المزيد من المنعم بها حسبما وعده الصادق.
وأصول المعاملات خمسة :-
1. طلب العلم للقيام بالأمر .
2. صحبة المشايخ والأخوان للتبصر.
3. ترك الرخص والتأويلات للحفظ.
4. ضبط الأوقات بالأوراد للحضور.
5. إتهام النفس في كل شيْ للخروج عن الهوى، والسلامة من العطب والغلط.
فطلب العلم آفته صحبه الأحداث سنا أو عقلا أو دينا ممن لا يرجع لأصل ولا قاعدة، وآفة الصحبة الاغترار والفضول، وآفة ترك الرخص والتأويلات الشفقة على النفس، وآفة ضبط الأوقات اتساع النظر في العلم لعلة ذي الفضائل، وآفة اتهام النفس الأنس بحسن أحوالها واستقامتها، وقد قال الله تعالى ” وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ” وقال الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب صلوات الله وسلامه عليهما “وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي”.
وأصول ما تداوى به علل النفس خمسة أشياء :-
1. تخفيف المعدة من الطعام .
2. اللجأ إلى الله مما يعرض عند عروضه.
3. الفرار من مواقع ما يخشى وقوع الأمر المتوقع فيه.
4. دوام الاستغفار مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلوة واجتماع.
5. صحبة من يدل على الله أو على أمر الله وهو معدوم .
وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: أوصاني حبيبي فقال : لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله، ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية الله، ولا تصطحب إلا من تستعين به على طاعة الله، ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينا وقليل ماهم، أو كلام هذا معناه، وقال أيضا رضي الله عنه: من دلك على الدنيا فقد غشك ومن دلك على العمل فقد أتعبك ومن دلك على الله فقد نصحك، وقال أيضا رضي الله عنه: اجعل التقوى وطنك ثم لا يضرك مرح النفس مالم ترض بالعيب، أو تصر على الذنب، أو تسقط منك خشية الله بالغيب قلت : وهذه الثلاثة هي أصول العلل والبلايا و الآفات.
وقد رأيت فقراء هذا العصر ابتلوا بخمسة أشياء:-
1. إيثار الجهل على العلم.
2. الاغترار بكل ناعق.
3. التهاون في الأمور.
4. التعزز بالطريق.
5. استعجال الفتح دون شرطه.
فابلتوا بخمسة:-
1. إيثار البدعة على السنة.
2. إتباع أهل الباطل دون الحق.
3. العمل بالهوى في كل أمر أو اجل الأمور.
4. طلب الترهات دون الحقائق.
5. ظهور الدعاوي دون صدق.
فظهروا بذلك بخمسة أشياء هي:-
1. الوسوسة في العبادات.
2. الاسترسال مع العادات.
3. السماع والاجتماع في عموم الأوقات.
4. استمالة الوجه بحسب الامكان.
5. صحبة أبناء الدنيا حتى النساء والصبيان.
واغتروا بوقائع القوم في ذلك وذكروا أحوالهم، ولو تحققوا لعلموا أن الأسباب رخصة الضعفاء، والمقام بها بقدر الحاجة من غير زيادة، فلا يسترسل معها إلا بعيدٌ من الله، وان السماع رخصة المغلوب أو راحة الكامل وهي انحطاط في بساط الحق إذا كان بشرطه من أهله في محله وأدبه، وان الوسوسة بدعة أصلها جهل السنة أو خبل في العقل، وان التوجه لإقبال الخلق إدبار عن الحق، لاسيما قاريء مداهن أو جبار غافل أو صوفي جاهل، وان صحبة الأحداث ظلمة وعارفي الدنيا والدين، وقبول ارفاقهم أعظم وأعظم، وقد قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه: الحدث من لم يوافقك على طريقتك وان كان ابن تسعين سنة، قلت: وهو الذي لا يثبث على حال ويقبل كلما يلقى إليه فيولع به، وأكثر ما تجد هذا في أبناء الطوائف وطلبة المجالس فاحذرهم بغاية جهدك.
وكل من ادعى مع الله حالا ثم ظهرت منه إحدى خمس فهو كذاب أو مسلوب:-
1.إرسال الجوارح في معصية الله.
2. التصنع بطاعة الله.
3. الطمع في خلق الله.
4. الوقيعة في أهل الله.
5. عدم احترام المسلمين على الوجه الذي أمر الله.
وقلما يختم له على الإسلام
وشروط الشيخ الذي يلقي المريد إليه نفسه خمسة:-
1. ذوق صريح.
2. علم صحيح.
3. همة عالية.
4. حالة مرضية.
5. بصيرة نافذة.
ومن فيه خمسة لا تصح مشيخته:-
1. الجهل بالدين.
2. إسقاط حرمة المسلمين.
3. دخول مالا يعني.
4. إتباع الهوى في كل شي .
5. سوء الخلق من غير مبالاة.
وآداب المريد مع الشيخ والإخوان خمسة.
1. إتباع الأمر وان ظهر له خلافه.
2. اجتناب النهي وان كان فيه حتفه.
3. حفظ حرمته أن كان حاضرا أو غائبا، حيا أو ميتا.
4. القيام بحقوقه حسب الامكان بلا تقصير.
5. عزل عقله وعمله ورياسته إلا ما يوافق ذلك من شيخه.
ويستغنى عن ذلك بالإنصاف والنصحية وهي معاملة الإخوان وان لم يكن له شيخ مرشد أو وجد ناقصا عن شروطه الخمسة، اعتمد فيما كمل فيه، وعومل بالإخوة في الباقي
انتهت الأصول الخمسة بحمد الله وعونه وحسن توفيقة.
قال رحمه الله
ينبغي لك مطالعتها كل يوم مرة أو مرتين، وألا ففي كل جمعة، حتى تنطبع معانيها في النفس، ويقع تصرفك على مقتضاها، فان فيها غنية عن كثير من الكتب والوصايا فقد قيل إنما حرموا الوصول من تضييع الأصول، ومن تأمل ما قلناه عرف ذلك ثم لا يزال يتعهدها قصدا للتذكر بها، وبالله التوفيق.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
المراجع :
1. سفية النجا لمن الى الله التجا لسيدي احمد الزروق
2. احمد الزروق والزروقية د. علي فهمي خشيم
3. ومضات من تاريخ الفكر والثقافة في ليبيا ” من منشورات زاوية احمد الزروق بمصراته “ مصطفى عبد الرحيم ابو عجيلة